أيها الأعزاء، يسعدني، أنا الأب باولو، أن أسلم لكل من يشترك في صفحة "لا لطرد الأب باولو" وأيضاً لكل من يقرأنا في صفحات ومواقع أنترنيت أخرى.
أمنيتي هي أن تبقى صفحة "لا لطرد الأب باولو" - التي لم أزل لا أدري من هو المسؤول عنها، مشكوراً في معظم الأحيان – صفحة خاصة لمحبي الوطن المؤمنين بالحوار والعاملين للوئام الذين يختارون اللاعنف مهما اشتدّت العاصفة وصعبت الظروف.
إننا نبكي اليوم، وكل يوم، مع الباكين في حمص وغير حمص وننوح على القتلى مع أهاليهم ونشعر بالبرد مع اللاجئين ونئنّ مع الجرحى... إنما لكل منا مسؤوليته لأجل إصلاح البلد وقدوم السلام عادلاً حرّاً.
اختيارنا، موقفنا، كما هو معروف، هو المصالحة عبر التفاوض، وشرطُه كمال حرية التعبير والرأي.
بالواقع اختار عدد من المواطنين منذ زمن بعيد، أو منذ زمن قريب، بدافع الحب أو البغض، الخوف أو الكره، الأخذ أو العطاء، استخدام العنف ولغة الرصاص.
ليست وظيفتنا أن نحكم على هؤلاء، مع أننا نعرف كيف نميّز بين دافعٍ شريف وآخر قبيح... وكما هو معروف، من المستحيل لدى البشر أن يستقرّ الحقُّ كلّه في صفٍّ دون الصف الآخر. إلا أننا نرى دورنا في تقريب وجهات النظر وإيجاد القواسم المشتركة وتخطيط (ياريت !) درب اجتياز الأزمة، وإعادة بناء الوئام من بعدها. فليست هذه المرة الأولى التي يعيش فيها البشرُ تجربة عنيفة ومأساوية... إنما الفضيلة تكمن في بناء الرجاء لا في الاستغراق في التشاؤم أو ضرب المثاليات أو الادّعاء بامتلاك الحقيقة كلها. نتمنّى أن نمارس وظيفة الغضروف الليّن بين العظام ولا نخمّن أنه يمكننا أن نلعب دور الرُكبة كلها!
أظهرنا بياناً في خصوص اقتحام الدير من قبل ثلاثين مسلحاً في 22 شباط المنصرم. فإنهم كانوا يسألون عن رئيس الدير ويبحثون عن الأسلحة والمال... كان رئيس الدير غائباً ولا مال لدينا إلا القليل. ولديّ فضولية لأعرف من الذي بشّر هؤلاء المهربين بوجود أسلحة في دير الوئام والسلام... الله يسامحهم... وقد وضعتُ كَفَني تحت مخدتي لأمارس استعدادي لفراق هذه الدنيا الفارغة عندما يغيب عن حياة المرء الالتزامُ في بناء مجتمع إنساني وربّاني...
إننا لم نزل نتساءل ما الذي يبقى بوسعنا من فعل أم قول في سبيل الإصلاح والمصالحة؟
هناك نقاش حول قيمة الدستور والاستفتاء: في خصوص الاستفتاء - وبغض النظر عن الظروف الصعبة والمأساوية التي جعلته معرقلاً إلى حد بعيد – فإني قلت إن الاستفتاء يشكّل تصريحاً هاماً ونقطة انطلاق لا رجوع عنها في موضوعين أساسيين لمستقبل الوطن. أولهما انتهاء حكم الحزب الواحد وافتتاح عصر التعددية. ومن واجب كل إنسان حر يحب الحرية أن يرحّب بهذا التحول الهامّ. أما الموضوع الثاني المصيري هو اتخاذ خطوة إلى الأمام باتجاه نظام ديمقراطي أكثر نضوجاً. علينا برأيي أن ندعم هذه الخطوة لأنها تشكّل مجالاً للمزيد من الحوار الوطني داخل سوريا ولدى السوريين في الخارج أيضاً.
من الواضح لكل عاقل أن وطن الغد يحتاج إلى مساهمة كل مكوّناته وتياراته وأطيافه، شرط أن يرغبوا بالخير العام ولو عبر جدلية الديمقراطية. إنما الديمقراطية أصلاً وسيلة لتدبير النزاعات دون سفك الدم وبناء الوفاق دون فرض الرأي. فالخلاف بين السوريين اليوم، الأشراف منهم وغيرهم، أمر طبيعي يحتاج إلى نضج الديمقراطية لأجل التدبير البناء الغير العنيف. فإذا كنّا نرفض سياسة فرض الرأي بالقوة، مع ذلك نبحث لدى كل طرف عن العناصر التي قد تسمح ببناء وفاق وطني جديد. فانتهاء نظام الحزب الواحد والتصريح المبدئي بحق هذا الشعب أن يعيش في الديمقراطية هما نقطتان لا بد من قبولهما ودعمهما بالرغم من التناقض الأليم والدموي الذي يعيشه مجتمعنا في هذه الأيام.
كم تؤلمنا حالة مدينة حمص وسكانها المنكوبين مع عدد من المدن والقرى والأحياء السكنية والأرياف... كم يؤلمنا وضع المعتقلين... وكم نشعر أيضاً بقلق وأسف المجندين وبحيرة كل المسؤولين السياسيين منهم والعسكريين وحتى رجال الدين على مذاهبهم. الكل مهموم بسبب آلام مواطنيه... والعار على كل سوريّ لا يهتم ويغتمّ مِن مَن كان وأينما كان.
نعم، إنّ الفضيلة تكمن في بناء الرجاء عبر الظروف وضمن الظروف، لا بالخيال والأساطير.
فليبادر كلٌّ منّا بمحاولات حوار سخيّة في سبيل وقف الحرب الأهلية وإسعاف المتضررين والحفاظ على المؤسسات والخدمات ومجالات العمل... فالبلد للجميع والجميع للبلد.
كلي ثقة أن المجتمع المدني السوري بغالبيته مقتنع بقيم التعددية والطوعية والضيافة وحسن الجوار والتضامن مع المتألم والوحدة الوطنية التي لا تتحقق إلا بتقدير وتوظيف الخصوصيات. وهنا الأساس للتفاهم الذي من دونه لا يبقى سوى السقوط إلى أسفل السافلين.
يكتب لنا أصدقاؤنا من كل أنحاء العالم، سوريين وعرب وأجانب، معبرين عن التضامن والدعاء والأشواق والخوف على هذا المجتمع السوري الغالي، مما يخلق رابطة روحية عاطفية فعّالة ومعزّية... يؤمن معظمُنا برحمة الله وبفعالية الدعاء والاسترحام... فلنرفع الدعاء لبعضنا البعض طالبين من الرحمان أن نرحم بعضنا البعض.